فصل: 151- باب مَا يقوله بعد تغميض الميت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.151- باب مَا يقوله بعد تغميض الميت:

919- عن أُم سلمة رضي الله عنها، قالت: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبي سَلَمة وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ، تَبِعَهُ البَصَرُ» فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ يَؤمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَة، وَارْفَعْ دَرَجَتْهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: استحباب تغميض الميت لئلا يتشوه منظره، واستحباب الدعاء له، ووصية أهله بالصبر والدعاء له بالخير.

.152- باب ما يقال عند الميت وَمَا يقوله من مات له ميت:

920- عن أُم سَلَمة رضي اللهُ عنها قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَضَرتُمُ المَرِيضَ أَو المَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، قالت: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سلَمة أتَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يَا رسولَ الله، إنَّ أَبَا سَلَمَة قَدْ مَاتَ، قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبى حَسَنَةً» فقلتُ، فَأعْقَبنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ: مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم هكَذا: «إِذَا حَضَرتُمُ المَريضَ، أَو المَيِّتَ»، عَلَى الشَّكِّ، ورواه أَبُو داود وغيره: «الميت» بلا شَكّ.
في هذا الحديث: البداءة بالنفس في الدعاء.
وفيه: حصول ثمرة الامتثال.
921- وعنها قالت: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إنّا للهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أُجِرْنِي في مُصِيبَتي وَاخْلفْ لِي خَيرًا مِنْهَا، إِلا أَجَرَهُ اللهُ تَعَالَى في مُصِيبَتِهِ وَأخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» قالت: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَة قلتُ كَمَا أمَرَني رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأخْلَفَ اللهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
قوله: «إلا أجره الله»، بفتح الهمزة من غير مد، وبمدها لغتان، أي: أثابه.
922- وعن أَبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فيقولونَ: نَعَمْ. فيقولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَة فُؤَادِهِ؟ فيقولونَ: نَعَمْ. فيقولُ: فمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فيقولونَ: حَمدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فيقول اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا في الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
الإضافة في قوله تعالى: (عبدي)، للتشريف جبرًا لما أصابه من المصيبة وتشريفًا له لصبره على أقضية ربه.
923- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يقولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤمِن عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْل الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلا الجَنَّةَ». رواه البخاري.
صفيه: حبيبه من زوج، وولد، وقريب، وصديق.
924- وعن أسَامَة بن زَيدٍ رضي اللهُ عنهما، قَالَ: أرْسَلَتْ إحْدى بَنَاتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أنَّ صَبِيًّا لَهَا- أَوْ ابْنًا- في المَوْتِ فَقَالَ للرسول: «ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَأخْبِرْهَا أنَّ للهِ تَعَالَى مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمّى، فَمُرْهَا، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» وذكر تمام الحديث. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: الوصية بالصبر عند المصيبة قبل وجودها ليستعد لها.

.153- باب جواز البكاء عَلَى الميت بغير ندب وَلا نياحة:

أمَّا النِّيَاحَةُ فَحَرَامٌ وَسَيَأتِي فِيهَا بَابٌ فِي كِتابِ النَّهْيِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَأمَّا البُكَاءُ فَجَاءتْ أحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَأنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهْلِهِ، وَهِيَ مُتَأَوَّلَةٌ ومَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ أوْصَى بِهِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ عَن البُكَاءِ الَّذِي فِيهِ نَدْبٌ، أَوْ نِيَاحَةٌ.
أجمع العلماء على أنَّ البكاء الذي يعذب به هو مجرد النياحة لا مجرَّد دمع العين ونحوه.
والدَّليلُ عَلَى جَوَازِ البُكَاءِ بِغَيْرِ نَدْبٍ وَلا نِياحَةٍ أحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
925- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَعَهُ عَبدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوفٍ، وَسَعدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم فَبَكَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الله لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلا بِحُزنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا أَوْ يَرْحَمُ» وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
فيه: دليل على جواز البكاء، والحزن، وتحريم الندب، والنياحة والتسخط.
926- وعن أُسَامَة بن زَيدٍ رضي اللهُ عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إِلَيْهِ ابنُ ابْنَتِهِ وَهُوَ فِي المَوتِ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ سَعدٌ: مَا هَذَا يَا رسولَ الله؟! قَالَ: «هذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
سعد هذا هو ابن عبادة كما تقدم في الحديث في باب الصبر.
927- وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهيمَ رضي الله عنه وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَان. فَقَالَ لَهُ عبدُ الرحمنِ بن عَوف: وأنت يَا رسولَ الله؟! فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقَالَ: «إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلب يَحْزنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ». رواه البخاري، وروى مسلم بعضه. والأحاديث في الباب كثيرة في الصحيح مشهورة، والله أعلم.
قوله: «فقال: يَا ابن عوف، إنها رحمة».
وفي رواية: فقلت: يَا رسول الله، تبكي أو لم تنه عن البكاء! فقال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت نغمة لهو ولعب. ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه، وشق جيوب. ورنة شيطان؛ إنما هذه رحمة، ومن لا يَرْحَم لا يُرْحَم». قال ابن المنيِّر: فيه أنه صلى الله عليه وسلم بين أن مثل هذا لا يدخل تحت القدرة، ولا يكلف العبد الانكفاف عنه.

.154- باب الكف عن مَا يُرى من الميت من مكروه:

928- عن أَبي رافع أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ أربَعِينَ مَرَّة». رواه الحاكم، وقال: صحيح عَلَى شرط مسلم.
قوله: «فكتم عليه»، أي: ما رأى منه من تغير لون، أو تشويه صورة، أو نحو ذلك. ولأحمد من حديث عائشة مرفوعًا: «من غسل ميتًا فأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

.155- باب الصلاة عَلَى الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز:

وَقَدْ سَبَقَ فَضْلُ التَّشْييعِ.
أي: في كتاب عيادة المريض في حديث البراء: أمرنا بسبع إلى أن قال: واتباع الجنائز. وبقوله في حديث أبي هريرة: «حق المسلم على المسلم خمس: رد الإِسلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس».
929- عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيراطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا القِيرَاطانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في حديث للطبراني: «من تبع جنازة كتب له ثلاثة قراريط». قال في «فتح الباري»: الإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه، وغسله، وجميع ما يتعلقق به: فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط. وذكر القيراط تقريبًا للفهم، وفي حديث واثلة بن عدي: «كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد».
930- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّهُ يَرْجعُ مِنَ الأَجْرِ بِقيراطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقيرَاطٍ». رواه البخاري.
قوله: «إيمانًا واحتسابًا»، أي: تصديقًا بالوعد واحتسابًا للأجر.
931- وعن أم عطية رضي الله عنها، قالت: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
ومعناه: وَلَمْ يُشَدَّدْ في النَّهْيِ كَمَا يُشَدَّدُ في المُحَرَّمَاتِ.
قولها: (نهينا)، أي: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد جماعة النساء.
قال القرطبي: ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم.